خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي
خطبة الجمعة القادمة 8 ديسمبر 2023م بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي، بتاريخ 24 جماد أول 1445هـ ، الموافق 8 ديسمبر 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 ديسمبر 2023م بصيغة word بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 8 ديسمبر 2023م بصيغة pdf بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي
عناصر خطبة الجمعة القادمة 8 ديسمبر 2023م ، بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي.
أولًا: الإســــــــلامُ دينُ الإيجـــــابيـــةِ.
ثانيًا: ما استحقَّ أنْ يولدَ مَن عاشَ لنفسِهِ.
ثالثًا: صــــورٌ ونمــاذجُ مِن الإيجــــــابيةِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 8 ديسمبر 2023م ، بعنوان : الإيجابية ، للشيخ عمر مصطفي ، كما يلي:
الإيجـــــابيةُ
24جمادي الأولي 1445 ه – 8 ديسمبر 2023 م
الموضوع
الحمدُ للهِ المطَّلعِ على ظاهِر الأمْرِ ومكنونِه، العالمِ بسرِّ العبدِ وجهرهِ وظنونِه، المُتَفرِّدِ بإنْشَاءِ العالمِ وإبْداعِ فُنُونِه، المدبِّرِ لكلٍّ منهُمْ في حركتِه وسُكُوْنِه، أحْسَنَ كلَّ شَيْءٍ خَلقَ، وفتَقً الأسماعَ وشقَّ الحَدَقَ، وأحْصَى عَدَدَ ما في الشَّجَرِ مِن وَرَقٍ، مدَّ الأرْضَ ووضعَها وأوْسَعَ السماءَ وَرفعَها، وسَيَّرَ النجومَ وأطْلعهَا، في ظلمةِ اللَّيلِ ودُجُوْنِه {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ} (لقمان: 11)، أحْمُدُه على جودِه وإحسْانِه، وأشْهدُ أنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ وحْدَهُ لا شريكَ لهُ في أُلُوهِيَّتِهِ وسُلْطانِه، وأشهدُ أنَّ مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ المؤيَّدُ ببُرهانِه، صلَّى اللهُ عليهِ وعلى صاحبِه أبي بكرٍ في جميعِ شأنِه، وعلى عُمرَ مقْلقِ كِسْرى في إيوانِه، وعلى عثمانَ ساهرِ ليْلِهِ في قرآنِه، وعلى عليٍّ قالعِ بابِ خيْبرَ ومُزَلْزِل حُصونِه، وعلى آلِهِ وأصحابِه اجتهدَ كلٌ منهم في طاعةِ ربِّه في حركتِه وسكونِه، وسَلَمَ تسليمًا.
أما بعد :
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الإيجابية
أولًا: الإســــــــلامُ دينُ الإيجـــــابيـــةِ.
*عباد الله : إنَّ الإسلامَ جاءَ لهدايةِ البشريةِ إلي طريقِ الصلاحِ والفلاحِ، ونجاتِهِم مِن العقابِ والعذابِ، فأمرَهُم اللهُ بالاستجابةِ لِمَا يأمرُهُم بهِ اللهُ وما يأمرُهُم بهِ الرسولُ ﷺ؛ لأنَّ الاستجابةَ حياةُ القلوبِ ودليلُ الإيمانِ الكاملِ والمحبةِ الصادقةِ، قال اللهُ تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24)}(الأنفال).
*فأوامرُ اللهِ تعالي ورسولِهِ ﷺ، تشتملُ على الإيجابيةِ والنهيِ عن السلبيةِ، فالنبيُّ ﷺ يذكرُ لنَا رجلًا إيجابيًّا رفعَ غصنَ شوكٍ مِن الطريقِ فغفرَ اللهُ لهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَّرَهُ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ» (صحيح البخاري). وعندَ مسلمٍ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» (صحيح مسلم). يتقلبُ في الجنةِ يذهبُ منها حيثُ شاءَ يتنعمُ بملاذِّهَا.
*وكان النبيُّ ﷺ يبايعُ على الإيجابيةِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: «بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ»(صحيح البخاري).
، وبايعَ كذلك النساءَ البيعةَ التي أمرَهُ اللهُ بهَا في قولِهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة)، وهذه الآيةُ جامعةٌ بينَ الإيجابيةِ والسلبيةِ، لكن جاءتْ الإيجابيةُ إجمالًا، والسلبيةُ تفصيلًا.
فالإيجابيةُ قولُهُ تعالَي: {وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} (الممتحنة)، فهي شاملةٌ للشهادتينِ وأداءِ الصلاةِ وأداءِ الزكاةِ وأداءِ الصيامِ وأداءِ الحجِّ وغيرِ ذلك.
والسلبيةُ في قولِهِ تعالَي: {لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ} (الممتحنة).
*ومِن الإيجابيةِ التي أمرَنَا بهَا، أنْ تفعلَ ما أُمرتَ بهِ وإنْ كنتَ تري أنَّ النتيجةَ قد ذهبَ وقتُهَا، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ: ” إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ؛ فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا، فليغرسها”.(الأدب المفرد).
فجميعُ أوامرِ القرآنِ والسنةِ تدعُوا إلي الإيجابيةِ وتنهَي عن السبيةِ، فالإيجابيةُ منهجُ الإسلامِ.
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الإيجابية
ثانيًا: ما استحقَّ أنْ يولدَ مَن عاشَ لنفسِهِ.
*عبادَ الله: إنَّ المؤمنَ خُلِقَ في هذه الحياةِ لهدفٍ وغايةٍ، فلا ينبغِي أنْ يخرجَ منها كمَا دخلَهَا، فإذا حُمِلَ إلى قبرِهِ لا يتذكرُ الناسٌ أنَّ شخصًا كان يقفُ في الصفِّ بينهُم يُصلِّي معهُم، ولا يتذكرونَ أنَّه كان مِن الذينَ ينكئونَ أعداءَ اللهِ تعالَى بمَا يملكون، روي أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كان ” إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا، قَالَ: اللهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ، يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا، وَيَمْشِي لَكَ إِلَى الصَّلَاةِ “(مسند أحمد).
* إنَّ كثيرًا مِن الناسِ اليومَ يأتونَ إلي الدنيا ويخرجونَ منهَا لا أثرَ لهُم في الحياةِ، هؤلاءِ يتحققُ فيهِم قولُ القائلِ:(ما استحقَّ أنْ يولدَ مَن عاشَ لنفسِهِ)، إنَّ المؤمنَ الحقَّ هو مَن يعيشُ للهدفِ والغايةِ التي خُلِقَ مِن أجلِهَا، عبادةُ اللهِ، وعمارةُ الكونِ، ولا يتحققانِ إلّا بالإيجابيةِ.
*يعيشُ المسلمُ في المجتمعِ يبذلُ قُصارَي جهدِهِ في النصحِ والإرشادِ إذا وجدَ مَن يحتاجُ إلي النصحِ، فنبيُّنَا ﷺ أمرَنَا ببذلِ النصيحةِ، فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ رضي اللهُ عنه أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»(صحيح مسلم).
وكذلك ينصحُ إذا طُلِبَ منهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: «حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ» قِيلَ: مَا هُنَّ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «إِذَا لَقِيتَهُ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ، وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ، وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ فَانْصَحْ لَهُ، وَإِذَا عَطَسَ فَحَمِدَ اللهَ فَسَمِّتْهُ، وَإِذَا مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ»(صحيح مسلم).
فكلنا في سفينةٍ واحدةٍ لابّدَّ أنْ يأخذَ بعضُنَا بيدِ بعضٍ إلي طريقِ النجاةِ، عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أن النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: ” مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا “(صحيح البخاري).
*ويغيثُ الملهوفَ: قال رسولُ اللهِ ﷺ قَالَ : عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَجِدْ ؟ قَالَ يَعْتَمِلُ بِيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ وَيَتَصَدَّقُ قَالَ قِيلَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يُعِينُ ذَا الْحَاجَةِ الْمَلْهُوفَ قَالَ قِيلَ لَهُ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ؟ قَالَ : يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ أَوِ الْخَيْرِ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ يَفْعَلْ ؟ قَالَ : يُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ.(صحيح مسلم).
* ويصلحُ بينَ الناسِ، فاللهُ سبحانَهُ أمرَنَا بالإصلاحِ، قالَ تعالَي: { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }(1)(الأنفال)،وسمَّي اللهُ كلَا الطائفتين مؤمنين وإخوةً ولهم حقٌّ علينَا وهو أنْ نصلحَ بينهُم ، قالَ تعالَي :{ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)(الحجرات)
فإذا عاشَ المؤمنُ علي هذا الطريقِ، يتفاعلُ في المجتمعِ يؤثرُ فيهِ وينشرُ الخيرَ بينَ الناسِ، يكونُ قد حققَ الهدفَ والغايةَ مِن خلقِهِ، فينالُ الأجرَ والثوابَ مِن اللهِ تعالي، ويكونُ مِن أهلِ السعادةِ في الدنيا والآخرةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الإيجابية
ثالثًا: صــــورٌ ونمــاذجُ مِن الإيجــــــابيةِ.
*عبادَ الله: كما ذُكِرَ أنَّ جميعَ أوامرِ القرآنِ والسنةِ تدعُو إلي الإيجابيةِ وتنهَي عن السلبيةِ، وكذلك القرآنُ والسنةُ بهمَا الكثيرُ مِن النماذجِ التي دعتْ إلي الإيجابيةِ منهَا :
*إيجابيةُ نملةٍ، قال تعالي:{ حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَاأَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}(النمل)، حتى إذا بلغوا وادِي النملِ قالتْ نملةٌ: يا أيُّها النملُ ادخلوا مساكنَكُم لا يهلكنَّكُم سليمانُ وجنودهُ، وهم لا يعلمونَ بذلك، فتبسَّمَ ضاحكًا مِن قولِ هذه النملةِ لفهمِهَا واهتدائِهَا إلى تحذيرِ النملِ، واستشعرَ نعمةَ اللهِ عليهِ، فتوجَّهَ إليهِ داعيًا: ربِّ ألْهِمْنِي، ووفقنِي، أنْ أشكرَ نعمتَكَ التي أنعمتَ عليَّ وعلى والديَّ، وأنْ أعملَ عملًا صالحًا ترضاهُ منِّي، وأدخلنِي برحمتِكَ في نعيمِ جنتِكَ مع عبادِكَ الصالحين الذين ارتضيتَ أعمالَهُم.(التفسير الميسر).
*إيجابيةُ الهدهدِ، قالَ تعالَي:{ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27)}(النمل)، تفقدَ سليمانُ جندَهُ مِن الطيرِ طالبًا الهدهدَ لأمرٍ ظهرَ وهو يتهيأُ لرحلةٍ هامةٍ، فلم يجدْهُ فقال ما أخبرَ تعالَى بهِ عنه: {مَا لِيَ لا أَرَى الْهُدْهُدَ } ألِعارضٍ عرضَ لِي فلمْ أرَهْ، {أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ} بل كان مِن الغائبين، {لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً} بأنْ ينتفَ ريشَهُ ويتركَهُ للهوامِ تأكلُهُ فلا يمتنعُ منهَا {أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ} بقطعِ حلقومِهِ، {أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي بحجةٍ واضحةٍ على سببِ غيبتهِ {فَمَكَثَ} الهدهدُ {غَيْرَ بَعِيدٍ} زمنًا قليلًا، وجاءَ فقالَ في تواضعٍ رافعًا عنقَهُ مرخيًا ذنبَهُ وجناحيهِ {أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ} أي اطلعتُ على ما لم تطلعْ عليهِ {وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَأٍ بِنَبَأٍ يَقِينٍ}، وسبأٌ قبيلةٌ مِن قبائلِ اليمنِ، والنبأُ اليقينُ الخبرُ الصادقُ الذي لا شكَّ فيهِ. وأخذَ يبينُ محتوَى الخبرِ فقالَ {إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً} هي بلقيسُ {تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ} مِن أسبابِ القوةِ ومظاهرِ الملكِ، {وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} أي سريرُ ملكِهَا الذي تجلسُ عليهِ وصفَهُ بالعظمةِ لأنَّهُ مرصعٌ بالجواهرِ والذهبِ {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ} أخبرَ أولًا عن أحوالِهِم الدنيويةِ وأخبرَ ثانيًا عن أحوالِهِم الدينيةِ، وقولُهُ {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}، أي: الباطلةُ الشركيةُ {فَصَدَّهُمْ} بذلك {عَنِ السَّبِيلِ} سبيلِ الهدى والحقِّ فهُم لذلك لا يهتدونَ لأنْ يسجدُوا للهِ الذي يخرجُ الخبءَ أي: المخبوءُ في السمواتِ مِن أمطارٍ والأرضِ مِن نباتاتٍ، ويعلمُ سبحانَهُ وتعالى ما يخفونَ في نفوسِهِم، وما يعلنونَ عنه بألسنتِهِم، {قَالَ سَنَنْظُرُ } قال سليمانُ للهدهدِ بعد أنْ أدلَى الهدهدُ بحجتِه على غيبتِه سننظرُ باختبارنَا لك {أَصَدَقْتَ} فيما ادعيتَ وقلتَ {أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} أي مِن جملتِهِم. وبدأَ اختبارَهُ .(أيسر التفاسير).
*مؤمنُ آلِ فرعونَ، قال تعالي:{وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20)}(القصص)، وهذا الرجلُ المؤمنُ مِن آلِ فرعونَ، جاءَ لينصحَ موسى بالخروجِ والهربِ قبلَ أنْ يُمسِكُوا بهِ فيقتلُوه.(تفسير الشعراوي).
*مؤمنُ آلِ يس، قال تعالي:{ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}(يس)، {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} حرصًا على نصحِ قومهِ حين سمعَ ما دعتْ إليهِ الرسلُ وآمنَ بهِ، وعلمَ ما ردَّ بهِ قومُهُ عليهِم فقالَ لهُم: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} فأمرَهُم باتباعِهِم ونصحِهِم على ذلك، وشهدَ لهُم بالرسالةِ، ثم ذكرَ تأييدًا لِمَا شهدَ بهِ ودعَا إليهِ، فقالَ: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} اتبعُوا مَن نصحَكُم نصحًا يعودُ إليكم بالخيرِ، وليس يريدُ منكُم أموالَكُم ولا أجرًا على نصحِه لكُم وإرشادِهِ إياكُم، فهذا موجبٌ لاتباعِ مَن هذا وصفهُ {وَهُمْ مُهْتَدُونَ} لأنّهُم لا يدعونَ إلّا لِمَا يشهدُ العقلُ الصحيحُ بحسنِهِ، ولا ينهونَ إلّا بمَا يشهدُ العقلُ الصحيحُ بقبحِه، فكأنَّ قومَهُ لم يقبلُوا نصحَهُ، بل عادوا لائمينَ لهُ على اتباعِ الرسلِ، وإخلاصِ الدينِ للهِ وحدَهُ، فقالَ: {وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وما المانعُ لِي مِن عبادةِ مَن هو المستحقُّ للعبادةِ، لأنَّه الذي فطرنِي، وخلقنِي، ورزقنِي، وإليهِ مآلُ جميعِ الخلقِ، فيجازيهُم بأعمالهِم، فالذي بيدهِ الخلقُ والرزقُ، والحكمُ بينَ العبادِ، في الدنيا والآخرةِ، هو الذي يستحقُّ أنْ يعبدَ، ويثنَى عليهِ ويمجدُ، دون مَن لا يملكُ نفعًا ولا ضرًّا، ولا عطاءً ولا منعًا، ولا حياةً ولا موتًا ولا نشورًا، ولهذا قالَ: { أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ} لأنَّه لا أحدَ يشفعُ عندَ اللهِ إلّا بإذنِه، فلا تُغنِي شفاعتُهُم عنِّي شيئًا، وَلا هُمْ يُنْقذونَ مِن الضرِّ الذي أرادَهُ اللهُ بِي.
تابع / خطبة الجمعة القادمة بعنوان : الإيجابية
{إِنِّي إِذًا} إنْ عبدتُ آلهةً هذا وصفُهَا {لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} فجمعَ في هذا الكلامِ، بينَ نصحِهِم، والشهادةِ للرسلِ بالرسالةِ، والاهتداءِ والإخبارِ بِتعيُّنِ عبادةِ اللهِ وحدَهُ، وذكرِ الأدلةِ عليهَا، وأنَّ عبادَةَ غيرهِ باطلةٌ، وذكرَ البراهين عليها، والإخبارَ بضلالِ مَن عبدهَا، والإعلانَ بإيمانِه جهرًا، مع خوفهِ الشديدِ مِن قتلِهِم، فقالَ: {إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} فقتلَهُ قومُهُ، لمَّا سمعُوا منه وراجعَهُم بمَا راجعَهُم بهِ.
فـ {قِيلَ} لهُ في الحالِ: {ادْخُلِ الْجَنَّةَ} فقالَ مخبرًا بمَا وصلَ إليهِ مِن الكرامةِ على توحيدِه وإخلاصِه، وناصحًا لقومِه بعدَ وفاتِه، كما نصحَ لهُم في حياتِه: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} بأيِّ شيءٍ غفرَ لِي، فأزالَ عنِّي أنواعَ العقوباتِ، {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} بأنواعِ المثوباتِ والمسراتِ، أنَّه لو وصلَ علمُ ذلك إلى قلوبِهِم، لم يقيمُوا على شركِهِم.(تفسير السعدي).
اللهُمَّ أعنَّا علي ذكرِكَ وشكرِكَ وحسنِ عبادتِكَ، اللهُمَّ اجعلْ مصرَ أمنًا أمانًا سلمًا سلامًا سخاءً رخاءً وسائرَ بلادِ المسلمين، اللهُمّ احفظهَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ برحمتِكَ يا أرحمَ الراحمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنَا مُحمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
كتبه راجي عفو ربه عمر مصطفي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف